بِسْم اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
موقفُ دارِ الإفتاءِ بيّنَتْه مِن أولِ يومٍ وصلتْ فيه الحكومةُ إلى قاعدةِ (أبوستة) البحرية، وبيّنَتْ أنّها ليستْ ضدّ الوِفاق، لكنّها تريدُ وفاقًا حقيقيًّا، يحفظُ حُرمةَ الدينِ والوطنِ، وبيَّنَتْ أنّ هذهِ الحكومةَ ليستْ لها شرعيةٌ، وليست هيَ حكومة توافقٍ؛ لأنّ الذي عينَها هو المبعوثُ الأُمَميّ، ولم يُستشَر فيها أحدٌ، وقالت الدار: إن أرادتْ أنْ تكونَ حكومةَ وفاقٍ حقيقةً، فعليها أنْ تستمعَ إلى الملاحظاتِ الجوهريةِ، التِي أبدَاها العلماءُ على مسودَةِ الاتفاقِ.
فإذا ما أخذَتْ بها، فستتقدّم دارُ الإفتاءِ الصفوفَ، وتدعمُ الحكومةَ ولا تتردد؛ لأنّها تريدُ الوفاقَ الذي يحققُ العدلَ، ويحمِي الدينَ والوطنَ، لا وفاقًا مزعُومًا، يزدادُ معه الإذلال والانقسامُ، وتؤول معه البلاد إلى القهر والاستبداد.
لكن الحكومةَ، بدلَ أن تبذلَ الجهدَ في تحقيقِ هذه الملاحظاتِ العادلةِ، وتجمعَ عليها الكلمةَ، تمادتْ في المضيّ على نهج المُغالبة، وأصدرت قرارات التجميد للأموال، والعقوبات والتجويع، قبل أن تكتسب الشرعية حتى بمقتضى المسودة التي ارتضتها، وأسرعت الجهات التي تتحكم في المال كمصرف ليبيا المركزي إلى تنفيد قراراتها، وهي تعلم أنها غير شرعية.
لقد شرعنوا لوضع القوانين تحت الحذاء منذ أن رموا حكم المحكمة العليا في سلة المهملات بمباركة من المجتمع الدولي، وها هي البلاد تدفع الثمن!
وتمادَى أعوانُ هذه الحكومة وداعموها في حملاتٍ إعلاميةٍ واسعةٍ على دار الإفتاء، ادَّعَوا فيها أنّ هذهِ الملاحظاتِ، التي أَبداها العلماءُ؛ قد عُدّلتْ في المُسودةِ الأخيرةِ، ورَمَوا المفتِي بالغفلةِ، وأنّ مَن حولَه يضَلّلونَه، ويُعطونَه معلوماتٍ خاطئةً.
هذا ما قالَه إخوانُنا، عفا اللهُ عنّا وعنهم، أمّا المبعوثُ الأُمميّ؛ فكانَ له شأنٌ آخرُ، فإنّه عندَما زارَ دارَ الإفتاءِ، وذُكرَت له الملاحظَاتُ؛ لم يَقلْ إنّها عُدّلت، وإنّ دارَ الإفتاء لا تتابِع، ومصابةٌ بالغفلةِ، بل قالَ الحقيقةَ، ولو كانتْ مُرّةً، قالَ: المُسودةُ لا يُمكنُ تعديلُها، انتَهى أمرُها، فكانَ صادقًا معَ نفسِه هذه المرة!
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
02 شعبان 1437 هـ
09 مايو 2016 م