بسم الله الرحمن الرحيم
ربح البيع
الله تبارك وتعالى هو الذي أعطى الأموال والأرزاق لعباده، وهو الذي استخلفهم فيها، قال تعالى: (وما بكم من نعمة فمن الله)، وقال تعالى: (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه).
ولكن انظروا إلى كرم الله وعطائه وواسع فضله، واسمعوا إلى ندائه لمن عنده مال ينفقه على الجهاد في سبيل الله، فبعد إعطائه الأموال لعباده، قال مغريا لهم: (من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة).
يقول لهم: هل منكم من أحد يقرضني من ماله قرضا حسنا، فأرده إليه مضاعفاً أضعافاً كثيرة بلا حد.
انظروا كيف يستنهض الله عباده للجهاد بأموالهم، وكيف يستحثهم ويغريهم على بذلها في مرضاته، حتى إنه يجعل إنفاقها على الجهاد في سبيل الله دَيْناً عليه وقرضا مستحق الأداء، وأنه سيرده لمن أقرضه مضاعفا أضعافا كثيرة، (ومن أوفى بعهده من الله).
والله غني حميد، المال ماله والناس عباده، ولكن مبالغة في حمل المنفقين على الوثوق بجزائه، جعل ما يُنفَق في سبيله كأنه دين عليه يجب عليه الوفاء به، والله لا يجب عليه شيء البتة، وإنما بَيّن بذلك لعباده واسع فضله وكرمه.
قال تعالى: (مثل الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).
والمجاهدون اليوم في فلسطين، المحاصرون من أمم الأرض، والذين تحالف أعداؤهم من الملل الأخرى عليهم، متشفّين مما يسومهم به الصهاينة سوء العذاب في غزة والقدسِ والضفةِ، مع خذلانهم من بني قومهم، وتخلّي حكام المسلمين عن نصرتهم التي أوجبها الله عليهم في قوله: (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر)، وفي قوله: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)، وما يجري الآن من المعارك في فلسطين، كل ذلك يجعل الجهاد بالمال والنفس لتحرير الأرض والمقدسات واجبٌ متعين على كل مسلم يقرأ قول الله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ).
ومن ترك شيئاً يقدر عليه في هذا الوقت من الجهاد بالنفس أو بالمال، بترك فتح الجبهات على العدو من الأراضي التي تجاوره، أو بترك الإنفاق على المجاهدين ودعمهم بالمال، فإن الله سائله عن تخاذله وتفريطه، لأنه ترك واجباً فرضه الله عليه، قال الله تعالى: (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)، وقال صلى الله عليه وسلم: (جاهِدُوا المُشرِكينَ بِأَموالِكُمْ وأَنْفُسِكُم وأَلسِنَتِكُم).
والإنفاق على الجهاد اليوم أكثر أجراً من الإنفاق على وجوه البر الأخرى، كالإنفاق في الاعتمار والتطوع بالحج وعلى المحتاجين من الفقراء واليتامى من غير المجاهدين، لأن الإنفاق على المعارك في فلسطين فرض، والإنفاق في وجوه البر الأخرى تطوع، ومن ترك الفرض - وهو الجهاد إذا تعين - يُعذب، بخلاف من ترك التطوعات، ومن أراد الأجر العظيم فعليه بأداء الفرائض، فإن الله تبارك وتعالى يقول في الحديث القدسي: (ما تقرَّبَ إليَّ عبدي بشيءٍ أفضل من أداء ما افترضتُ عليْهِ).
ولما نزلت الآية: (من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة)، سمعها أبو الدحداح، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال متعجبا: آالله يريد منا القرض؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، قال أبو الدحداح: أرني يدك يا رسول الله، فأخذها وقال مغتبطاً بهذه الصفقة: أُشهدك أن لي حائطاً (بستانا) به ستمائة نخلة هو في سبيل الله.
ثم وقف أبو الدحداح بباب الحائط ونادى: يا أم الدحداح اخْرجي وأَخْرجي الأولاد، فإني أقرضت ربي حائطي!
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كم من عِذْق ردَّاح (أي عرجون ثقيل)، ودار فواح في الجنة لأبي الدحداح!
قالت أم الدحداح: ربح البيع!