بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)، وقال تعالى: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا).
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لَزَوَال الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ من قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ) رواه ابن ماجه.
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يزالُ المسلم في فسحة من دينه ما لم يُصِبْ دمًا حرامًا) رواه البخاري.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المقتول يأتي يوم القيامة تشْخُبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا مُتَلَبِّبًا قَاتِلَهُ، يقول: (رَبِّ سَلْ هَذَا لِمَ قَتَلَنِي؟).
هذه حرمة دم المسلم عند رب العزة، في محكم كلامهِ، العزيزِ الصريحِ الواضحِ: (فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا)، وفي كلام نبيه صلى الله عليه وسلم: (لَزَوَال الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ من قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ).
فما بالُ بني قومِي يجعلون قتله أهون عندهم من ذبابة، حتى يبلغ التهاون أن يصيبَ المارة في طرقاتهم؟!
كم مِن بريءٍ لا ناقةَ له ولا جمل فيما يجري، خرجَ من بيته ولم يعد؟!
يَتّموا أطفاله، ورَمَّلوا زوجته، وتركوا أمًّا ثكلى لا يرقأ لها دمع، ولا ينقطع لها بكاء، الليل والنهار لهفى، ترفع يديها إلى السماء بدعوة مظلوم مكلوم.
أين الإيمان؟ أين الإسلام؟ أين الديانة؟ أين الأمانة؟ أين اتباعُ الكتابِ والسنة؟ أين المروءة؟
لقد بلغَ الاستهتارُ بالدماء البريئةِ في بلادِي مداهُ!
آخرُ مظاهرِهِ كانَ من يومين؛ عندما قامت مجموعةٌ من قوةِ الردعِ بمداهمة، أدت إلى قتلِ أحدِ قادة الثوار في الكتيبة (111)، ممّن عُرفوا بالشجاعة، والصدقِ عند اللقاءِ، وممّن أبلَوا بلاءً حسنًا في هذه الثورة المباركة، منذ أيامِها الأولى.
ويبلغُ التهاونُ في الدماء المعصومةِ غايتَه، ليُجهزَ الرصاص الطائشُ في المداهمةِ على حياة طبيبٍ شابّ، في مقتبلِ عمرِه، لا ذنبَ له سوَى أنه كان مارًّا بالطريقِ العام، رحمهما الله رحمة واسعة.
قيل في تبرير هذا القتلِ: إنّ المستهدَف "داعشيّ"!
فلو سلّمنا أنّ هذه الدعوَى كافيةٌ لقتلِ نفسٍ رُميت بذلكَ، فما المبررُ الشرعيّ لقتلِ الطبيب الشاب؟ ماذا أعدّ القاتلُ ومَن أعانَه على هذا مِن جوابٍ؟
وهل يكفِي في إثباتِ أنّ أحدًا يستحقّ القتلَ، أن يخرجَ تسجيلٌ مصورٌ "فيديو"، ينسبُ إلى أحدٍ مِن الناسِ أنّه متورطٌ في أمرٍ ما؟
النفسُ المعصومة لا تُقتل في دينِ الله إلا بحقِّها، وحقّها معناه أمران:
1- ثبوتُ ما تستحقُّ به القتلَ شرعًا - بعد قيام البينات، والإعذار والتزكيات - أمامَ الحكامِ (القضاة) المخوّلين بذلك، لا أمامَ أحدٍ من أفرادِ الناس غير الحكام أيًّا كانوا.
2- أن تثبت الدعوى بالبيناتِ العادلة، والأدلة الشرعيةِ المعتبرةِ عند التقاضِي، لا ببيناتٍ أخرى غيرِ شرعية، قال تعالى: (فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُولَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ).
أليسَ هذا الشعارُ "الدواعش" هو الذي تُدمَّر به بنغازي، منذ أكثر مِن عامٍ ونصف؟!
وما قُتل قادةُ الثوارِ في بنغازي مدينةِ الثورة، ونحو مِن ثلاثمائةٍ مِن الدعاة، وخطباءِ المنابر والميادين، إلا باسمِ هذا الشعار.
وما تُدمِّر قوى التحالفِ الدوليّ بلادَ المسلمين في الشام ومصر وغيرها، إلا باسمِ "الدواعش" ومكافحة الإرهاب!
فهل يرضى بهذا مسلمٌ؟ بل عاقل؟!
هل ترضى القوى الدولية المتحالفة التي نراها اليومَ تدمرُ الشام، بأن تُدمَّر بلادُهم بدعوى أن بها عصابات (مافيا)، خارجة عن القانون؟!
التهاون بدماءِ المسلمين بلغَ حدًّا أنَّه لم يعدْ مِن المسلمين، ولا من حكامهم، ولا من علمائهم، حتى مَن يستنكرُ ذلك، إلا مَن رحمَ ربّك!
أهي حربٌ صليبيةٌ في ثوبٍ جديدٍ، تتخذُ من (داعش) ذريعةً لتدميرِ بلادِ المسلمين؟!
لا نحبُّ ولا نتمنَّى لقوةِ الردعِ، أن تنزلقَ إلى ما يشبهُ هذا المنزلقَ الخطيرَ، الذي يستبيح الدماء، ويدمّر الأوطان، بالاشتباهِ والشبهات، فإنَّ أحدًا لا يعجزُ أن يلقيَ التهمَ على مَن يريدُ التخلصَ منه باسمِ "الدواعش"، أو غيرِهم، ولو يُعطى الناسُ بدعواهُم، لاستُبيحَت دماءُ الناسِ وأموالُهم بغيرِ حقٍّ ولا بُرهان.
وإني أذكرُ القاتلَ ومَن أعانَه، بما ذكرَه الله تعالَى مِن خُلودِ القاتلِ في النار، كمَا أذكرُ قائدَ كتيبة الردعِ، وغيرَه مِن قادة الكتائب، بمسؤوليتِهِم عمّا يرتكبُه أفرادُهم، فإنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: (فَالأَمِيرُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عن رعيته ... أَلاَ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) رواه البخاري ومسلم.
وأُذَكِّر ثالثا، كل من ينضم أو يتعاطف مع هذا التنظيم، بأنكم أعطيتم المبرر لعدوكم أن يستأصل ويدمر بلاد المسلمين، وأسأتم إلى الإسلام إساءة لم تبلغها دعوة هدّامة في التاريخ، فراجعوا أمركم قبل أن تحملوا أوزار تدمير سواد الأمة.
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
25 صفر1437 هـ
الموافق 6 ديسمبر 2015 م