بسم الله الرحمن الرحيم
أقولُ لأعضاء الحكومتين: كلُّ تأخرٍ في الاستلامِ والتسليمِ بين الحكومتينِ، تزدادُ معه هوة الفراغِ الأمني، الذي تعيشُه ليبيا بصفة عامة، والذي بدأتْ ملامحه في العاصمة.
أعضاءُ الحكومة السابقةِ عليهم مسؤولية شرعيةٌ، لا أظنّها تفوتهم، ولا أخالُهم إلا حريصين عليها، فكلّ مَن قابلتُه منهم مدةَ تولّيهم، ما وجدتُه إلا ممّن يحترمُ مسؤولياته الشرعية، وممّن يخافُ اللهَ في خاصةِ نفسِه، ويأتمرُ بأمرِه، وأمرِ رسولِه صلى الله عليه وسلم.
أقولُ مِن باب التذكير: عليهم أن يدركوا أنّ الولاية والإمارة تكليف، تنتهي بانتهاء التكليفِ، وأن المسلم إذا استُعفي منها اسْتَعفَى ورضيَ، بل فرحَ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن الإمارة: (إنها خزيٌ وندامة، إلا مَن أخذَها بحقِّها)، وقال عنها: (نِعمتِ المرضِعةُ وبئسَتِ الفاطمَة)، والسلوى في هذا أنّ كلّ مَن وليَ سيُعزل يومًا ما، رضيَ أم كرهَ، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (بِئست الفاطمَة)، وإنّي لا أقبلُ ما أشاعوهُ حولَهم، بأنهم يمتنعونَ عن التسليم والاستلامِ، فإنهم جميعًا مِن الثوار، الذينَ بذَل كلّ واحدٍ منهم جهدَه في هذه الثورة المباركة بقدْرِه، وأجزمُ أنّ ما قيل عنهم مِن عدمِ التسليمِ، هو مِن الشائعاتِ - وما أكثرَها هذه الأيام - لتشويهِهم، ومع ذلك؛ فإنّ المقامَ يقتضِي تذكيرَهم، وتذكيرَ غيرِهم، ممن تولّى ولاية، وأُسند إليه منصبٌ؛ بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، مِن حديث أبي موسى رضي الله عنه: (إنّا لا نولّي هذا الأمرَ مَن يطلبُه، ولا مَن حرصَ عليه)، والحرصُ على الاستمرار في المنصبِ، يجعلُ صاحبَه يفقدُ الأهليةَ الشرعيةَ له؛ كما في حديث أبي موسى المتقدمِ.
وأعضاءُ الحكومةِ اللاحقة، عليهم مسؤوليةٌ أخرى، أن يبادرُوا بتسلمِ أعمالهمْ، ولا يتأخروا ولا يتردّدوا، ولا ييأسوا مِن الإصلاحِ، لكثرةِ مَا يرونَ من الفسادِ، فإنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: (لو قامتِ القيامةُ وفي يدِ أحدكُم فسيلةٌ فليغرسْها).
فالناسُ على أحرّ مِن الجمر، ينتظرونَ تنفيسًا لكرُباتِهم الثقيلة، وأزماتِهم الشديدَة، فقراء ومرضَى وجرحَى، وعاطلونَ عن العملِ، وأطفال وعجزة ومظلومون، وخائفونَ على أموالِهم وأرواحِهم، كلُّ هؤلاءِ متلهفونَ لمن يرفعُ الظلم عنهم، ويقضِي حاجاتِهم، ويغني فقرائَهم، ويداوي مرضاهم، ويؤمِّنُ طرقاتِهم، ويحفظُ أرواحَهم وأموالهم، ويدفعُ الظلمَ عنهم، ويوصلُ لهم حقوقَهم، فرفعُ الظلم عن عبادِ الله، هو فرضُ الوقتِ، وأفضلُ الأعمالِ التي تقربُ إلى اللهِ هذه الأيام، ففي الحديثِ القدسي: (وما تقربَ إليّ عبدِي بأفضلَ ممّا فرضتُه عليه)، ورفعُ الظلم عن مظلومٍ واحدٍ أفضلُ عند اللهِ مِن عبادةِ سنة.
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
28 صفر 1437 هـ
الموافق 10 ديسمبر 2015 م