بسم الله الرحمن الرحيم
لا يزال العالم - للأسف - إلى اليومِ، يلاحقُ إرهابًا مجهولَ الهُوية، ليس له تعريفٌ ولا ضابطٌ، كلّ طرَف في معركةٍ صار يرمِي به خصومه.
يطلقُه المحتلّ على حركات المقاومة، وتطلقُه الحكومات وأجهزةُ الأمن والمخابرات على المطالِبين في بلدانهم بالحريات والعدالة الاجتماعية، ويطلقه الليبراليون واليساريون، وكذلك المجتمع الدولي، على المعارضة الإسلامية، وهكذا ...
إذا لم نتفق على تعريفٍ مضبوطٍ للإرهاب، فإنّ كلّ مَن لا ترضى عنه السلطاتُ في بلدٍ مِن البلاد، أو يوشَى به لدى الحكوماتِ، قد يُصنَّف إرهابيًّا، وقد يطولُ هذا كلَّ ممانِع لظلم، أيًّا كان في الشرق وفي الغرب، يطولُ الخيّرين والعلماءَ والدعاةَ، حتى مَن كان على المنهج السويِّ المعتدلِ، فالشيخ القرضاوي مثلًا، بعد هذا العمرِ الطويلِ المديد المباركِ في الدعوة والعطاء، إنْ أمكنَ لأحدٍ أن يصفه بالتساهلِ فقد يكونُ له وجهٌ، أمّا أن يُضيَّق عليه ويُتّهم بالإرهابِ، الذي مِن أخصّ خصائصِه الغلوُّ والتشددُ، فهو الظلم بعينه، والمحير حقا، وهذا أنموذجٌ حقيقيّ لتحالُف هوَى الحكام مع الإرهابِ !!
عندما لا يكون للإرهاب تعريف، يمكنُ أنْ يدمِّرَ طاغيةٌ مستبدٌّ - مثلَ حفتر - مدنًا بأكملِها، تحتَ مسمّى محاربة الإرهاب، ويتحصلَ على تأييدٍ ودعمٍ مِن المجتمعِ الدولي، ومِن حكوماتِ على هواه متحالفةِ معه، كما يفعلُ الآنَ بمدينة بنغازي.
مدنٌ بأسرِها في ليبيا دُمّرت فوقَ رؤوسِ ساكنيها؛ من الصغارِ والكبار والنساءِ، ممّن لا ناقةَ له ولا جملَ فيما يجري، وممّن هو ضعيفُ العارضة، لا يعرفُ هذا الاسمَ (الإرهاب)، ولا يفقه له معنًى.
إذا كان الإرهابُ معناه القتلُ بغير حق، والتفجيرُ، والاغتيالُ، والاختطافُ، والعبواتُ الناسفةُ، والسياراتُ المفخخةُ، وترويعُ الآمنينَ، والسطوُ المسلحُ على الأفرادِ؛ أو على مؤسساتِ الدولة، فكلُّ مسلمٍ بل كلّ عاقلٍ يُجرمُه، ويُدينُه، ويكرهُه، ويمقتُه، ويُبغضُه، وكلُّه مُحرَّمٌ بمقتضَى قانونِ السماءِ؛ فإنّ الله تبارك وتعالى يقول: (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا)، وليس لهذا المعنى الرفيع الفريد في الآية نظيرٌ في أيّ قانون آخر من قوانين الأرض يصوّر استحلال نفسٍ واحدة بغير حق، كاستحلال نفوس الناس جميعًا، والعكس في إحيائِها، كإحياء الناس جميعًا.
ثم إننا إذا اتفقنا على أن القتل على هذا النحو إرهاب، فلابدَّ أن نتفق أيضًا على أمرين آخرين:
الأول - ليس هناك إرهابٌ حرام وإرهاب حلال، الإرهاب كله حرام، سواء كان الذي يفعلُه متشددون باسم الإسلام، أو كانت تقومُ به حكوماتٌ ودول تدّعي الديمقراطية، أو انقلابيون على الشرعية في بلدانهم، أو تقومُ به دكتاتورياتٌ مستبدةٌ، تعتقلُ الضحية وتسلمُه لمن يذبحُه، للتنفير من الإسلام، كمَا جاء في تسجيل بعض آباء الضحايا الأقباط الذين ادعي ذبحهم في ليبيا، حيث ذكر بأنهم كانوا في معتقلاتِ حفتر.
الأمرُ الثاني - أن الإرهاب لا يقاوَم ولا يعالَجُ بإرهاب آخرَ مثلِه، أو أشدَّ منه، كما فعلَ الطيرانُ المصري في قصفِه لمدينة درنة، وتدميره لبيوتِ الأبرياء الآمنين مع الفجر، في غرفِ نومِهم، وإنّما يعالَج بإقامةِ العدلِ، والقصاصِ مِن الجانِي دونَ سِواه.
هذا هو العدلُ والقسطُ، الذي يأمرُ الله تعالى به، إن كنا حقًّا لا نريدُ الإرهاب، قال الله تعالى: (لقدْ أرْسَلنَا رُسلَنا بالبَيِّناتِ وأنزَلنَا معَهم الكتابَ والمِيزَانَ لِيَقُومَ النّاسُ بالقِسطِ)، وقال تعالى: (أَلَّا تَطْغَوا فِي المِيزَانِ وأقِيمُوا الوَزنَ بالقِسطِ ولا تُخسِرُوا المِيزَانَ).
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
الأربعاء 28 ربيع الآخر 1436 هـ
الموافق 18 فبراير 2015 م