بسم الله الرحمن الرحيم
الدماء المعصومة البريئة حرمتُها واحدة، توعدَ اللهُ مَن انتهكَ حرماتِها، مِن الطغاة والمجرمين والخاطفين وقطاع الطرق والقتلة، باللعنة والغضب والخلود في نار جهنم، وما يجري اليوم في طرابلس، وبالأمس في زليطن، وقبله في جنزور، وقبله... وقبله، هو نارٌ تتنقل، وبؤرٌ تتوترُ وتشتعلُ، ما أن تخمدَ في مكان، إلا لتستعر في مكان، وهكذا دواليك، ويهب رجال المطافئ من الأعيان والحكماء للإسعاف والنجدة، فجزى الله المخلصين خيرًا، أمّا مَن يتظاهر بالمصالحة في الإعلام، ويرسلُ الذخائر والمعدات لتصفية الحسابات في الميدان، وبالوكالة عن الدخلاء، فالله يتولاه، وهو غالب على أمره، عزيز ذو انتقام!
وكلما أطفأ الخيرون النار ظننّا أننا حققنا شيئًا، وما هي إلّا مُسكناتٌ، لا تلبثُ أن تذهب بالأرواح، وتعودَ أعنفَ مما كانت!
ألا هل أدلكم على خير من ذلكم لإخماد الحرائقِ وقطع دابرها؟
إنه الدواءُ الرباني، نتداركُ به ما فرّطنا في جنبِ الله!
ما يجري في (بوسليم) وما جرى في غيره، هو عقوبةٌ ربانية نستحقُّها، الموبقاتُ كثيرة، وعلى رأسها ثلاث:
الأولى: سياسيون ونخب ونسبة كبيرة ممن بيدهم السلاح، ينامون على المعاصي ويصبحون عليها، خمرٌ وحشيش، وفجور وأوكار للفساد، وسبٌّ للدين، وأكلٌ للحرام، وبيعٌ للدينِ والأوطان للأعداء بعَرَض من الدنيا، أو وعود بمناصبَ، قد تكون، وقد لا تكون، فيأخذ الله وديعته مِن صاحبها قبل إدراكها، فيلقاه غُدَر.
الثانية: التخلي عن المظلومين والمستضعفين في بنغازي، وتركهم لآلة البطش، المتعددة الجنسيات، محلية، ومرتزقة، ودولية، تحاصر مَن هم إخوانكم ونساؤكم وذرارِيكم، والكثير ممن وجبت عليه النصرة يتفرج على من يموتونَ جوعًا، ويُصَدِّق ما يقول عدوهم فيهم (إرهابيين)، ويرى نفسه في مأمنٍ مِن مكر الله!
ثم في طرابلس؛ سكوت مذنب، ومهادنة لقطاع الطرق، الخاطفين للأبرياء، والعلماء، والثوار الصادقين الشرفاء.
ماذا يرجو امرؤٌ من ربه لا تهمّه إلا نفسُه؟ لا يبالي بمن ظُلم ولا مَن هلك، لنفكِّرْ مليا في سُنن الله في الظالمين!
ماذا يرجو مِن خالقِه امرؤٌ يرى قطاع الطرق يخطفون الأبرياء والعلماء، ويقومُ هو وقومه بحماية الظالمين، والتسترِ عليهم، ولا يَكُفُّهم، ولا يأخذُ على أيديهم؟
ماذا يا ترى ينتظر مَن هذا حاله مِن خالقه، مع التمادي والإصرار؟!
لا شكّ أن الجزاءَ مِن جنس العمل؛ (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ).
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: تَأْخُذُ فَوْقَ يديْهِ، وتَكفُّهُ عنِ الظُّلمِ).
ثالثة الموبقات: استهتارٌ بمَحارمِ الله، بينَ منتهكٍ وساكتٍ عن المنكر، إلا مَن رحمَ ربّك، وهذا من الظلم للنفس، وكفران النّعم الذي أخذ الله به قبلنا الأُمَم، قال الله تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَتَأمُرُنَّ بالمَعروفِ ولَتنْهَوُنّ عنِ المنكَرِ أو لَيأخُذنَّكُم اللهُ بعِقابٍ مِنه)، فليراجعْ كلُّ أحدٍ نفسَه، وليتدارَك ما فاتَ مِن أمرِهِ، فقد عاشتْ طرابُلس هذهِ اللياليَ مَا لعلَّ أهلَها رَأوا بِه البأسَ، واستوعَبوا بهِ الدرس!
(وَاتّقُوا فِتنةً لا تُصِيبَنَّ الّذينَ ظَلَمُوا مِنكُم خاصَّةً).
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
28 جمادى الأولى 1438 هـ
الموافق 25 فبراير 2017 م