بسم الله الرحمن الرحيم
إذا أردت أن تكتشف نفسَك؛ أين أنت مِن الأزمة الليبية، ومن الحوارِ الجاري بين أطرافها؛ فإليك الجوابُ، وافيًا شافيًا جليًّا واضحًا.
واقعُ الأزمة الليبية، وإن تشعبت فروعُه، وامتدَّت خيوطه؛ فريقَاه اثنان لا ثالثَ لهما:
فريق حقّ يحملُ قضية، يمثله الثوارُ في الجبهات، والمتظاهرون في الساحات، ومَن يؤيدُهم مِن مؤسّسات المجتمع المدني؛ بالكلمةِ الصادقة في الإعلامِ والقنوات، وبما ينشر في الشبكةِ الدولية والصفحاتِ، أو بالرأيِ والنصحِ مِن الناصحين مِن أربابِ السياسةِ والقانون.
هذا الفريق كلّه يُعد فريقًا واحدًا، أيًّا كانَ موقعه مِن المعركة؛ في أوبَاري وسبها، أو بنغازي وطبرق ودرنة، أو في طرابلس ومصراتة والوطية، وهؤلاءِ في الواقع؛ هم مَن لا يزالُون يحمِلون مبادئَ الثورةِ التي أطاحتْ بالقذافي، والمتمسّكون بثوابتِها، وعلى رأسِ هذه الثوابتِ؛ رفعُ الظلمِ، وتحكيمُ الشرع، ووحدة الوطن، ومحاربة الفساد، والتعايش مع الأمم بالاحترام والعدل.
ويمثلُ هذا الفريقَ المؤتمرُ الوطنيّ، وحكومتُه حكومةُ الإنقاذ، ويُحسب عليه كلّ مَن يتفَهّم قضيتَه، ويتعاطفُ معه مِن الدولِ؛ عربيةً كانت أو صديقةً، كلٌّ بقدرِ ما يقدمُه مِن عون.
الفريقُ الثاني المقابل، هم باختصارٍ مَن يعملونَ على إفشالِ الثورة، وتعطيلِ قيامِ الدولةِ، ويمثله:
1- الانقلابيون مِن كتيبتي الصواعقِ والقعقاع، الذينَ قاموا باقتحامِ المؤتمرِ الوطني مئاتِ المرات، في أعوامٍ سابقة، ومَن انضم إلى جبهتهم في القتالِ، ممَّن يُسمَّى جيشَ القبائلِ.
2- حفتر، الذي أعلنَ أيضًا انقلابَه، وأعوانه وصحواته، الذينَ يقومونَ بتدميرِ بنغازِي، دونَ أن ينالُوا مِن أبطالها، على قلةِ عددِهم، ومَن انضمَّ إليهم مِن الخلايا النائمة، ومَن يُسمّون الكرامة.
3- الغاصبون لموانئ النفط وحقوله، القائمونَ على تعطيلِه وتدميرِه.
4- الداعونَ لتقسيمِ الوطنِ وتمزيقِه، تحتَ اسمِ الفيدرالية، أو تحتَ عصبياتٍ جهويةٍ قبليةٍ، أو غيرِها مِن موروثاتِ الجاهلية، ويمثلُهم في الميدانِ؛ كلُّ مَن يُقاتلُ الثوارَ المكلفينَ مِن رئاسةِ الأركانِ في الجبهات؛ في الجبلِ الغربيّ، وفي سبْها وأوبارِي، وفي السدرةِ وسرت وبنغازي.
5- مَن يدعمُ هذا الفريق بوسائلِ الدعم المختلفةِ؛ بالإعلامِ المضلِّل في قنواتِ الكذب، المحرضةِ على القتلِ، وبما ينشرهُ مرتزقةُ جيوشِ الصفحاتِ الإلكترونية، ومَن يدعمُهم بالمال الحرام، وبالمكرِ والتخطيطِ، في عواصمَ عربيةٍ وغربيةٍ، مِن الساسَةِ المحتالين، ورجالِ الأعمال، وأعوانِ النظامِ السابقِ، ممَّن يجوبونَ عواصمَ العالم، ويتعاقَدون بالمالِ الذي نهبوه معَ شركاتِ العلاقاتِ العامة، في أمريكا وأوروبا؛ لتنفيذِ أغراضهم الذميمةِ، بالوشايةِ والكيدِ لأبناءِ وطنِهم ودينهم، إن كانَ قد بقيَ لهم بعدَ هذا دينٌ.
6- وأخيرًا؛ مَن انضمَّ إلى هذا الفريقِ يدعمُه بالسلاحِ والمقاتلاتِ، مِن دولٍ عربيةٍ شقيقةٍ، سجَّل حكامُها صفحةً سوداءَ في تاريخهم، لن تنساهُ لهم الأجيال.
وهذا الفريقُ الثاني جميعًا؛ همُ المحسوبونَ على قوَى الثورة المضادة.
ويمثّلُهم برلمانُ طبرق المنحلّ، وحكومتُهُ المُقالة.
بقي طرفٌ ثالثٌ؛ هو المجتمعُ الدوليّ، أحْرجَه حكم القضاءِ بحلّ البرلمانِ، فوقفَ مِن جرائمِ الفريقِ الثاني؛ إمّا متجاهلًا، يغضُّ النظرَ، كما هو الحالُ في موقفِه مِن قصفِ مدينةِ بنغازي الآهلةِ بالسكان، بالطائراتِ والدبابات، أو يُدينهم إدانةً عموميةً على استحياءٍ، يسوِّي فيها بينَ الضحية والجلادِ، كما في موقفِه مِن قصفِهم مدرجَ مطارِ (امعيتيقة) المدنيّ، في وقتِ إقلاعِ الرحلات.
بهذا التوصيفِ الواقعيّ الشفافِ للمشهد، يستطيعُ كلّ أحدٍ؛ سواءٌ مِن أبناء ليبيا، أو مِن الدولِ التي يعنيها أمر ليبيا، أن يكتشفَ نفسَه، ويعرفَ مكانَه، أينَ هو ممَّا يجرِي؛ هل هو في صفِّ الثورةِ، التي قامَت وقامَ الناسُ معها جميعًا في بدايتِها، والعالمُ مِن وَرائِهم، أم هو ضدّها معَ المنقلبينَ عليها؟!
وأن يعرفَ حقيقةَ نفسِه، دونَ أن ينخدعَ بما كانَ عليه في ماضِيه، أو بما تُسوِّلُ له نفسُه مِن مطامِع مستقبله وأمانيه، فكم ممّن ناصروا الثورةَ يوما ما، وكانوا فقراءَ نحسبُهم أغنياءَ مِن التعفُّف، تحوّلُوا إلى تجارِ حرب، وصاروا في مدةٍ قصيرةٍ - مِن المالِ الحرام - أصحابَ ملايين كثيرة، وتملَّكوا المبانيَ الفاخرة، والقصورَ الشاهقة، في إسبانيا ودبي، والمتواضع منهم في تركيا.
هذا التوصيفُ يختصرُ لنا أيضًا فوضى الحوارِ، الذي تكاثَرَ وتناثَرَ - دون جدوى - إلى فريقينِ اثنين؛ مؤتمرٍ وطني وبرلمان منحلّ، وما عداهُما لا طائلَ تحتَه، ولا أرَى المجتمعَ الدوليّ يستعملُه إلا لشقِّ الصفِّ، وإضعافِ الفريقِ الذي يريدُ إضعافَه، فلو قالَ المؤتمرُ مثلًا فيما يريدُ التمسكَ به: هذهِ مِن الثوابت التي لا يمكنُ التنازلُ عنها، يقول له المجتمع الدولي: لا، هذهِ تجاوزَتها مُخرجاتُ الجزائر، وتلك تجاوزتها مُخرجاتُ جنيف، وثالثة بروكسل، ورابعة اسطنبول، وهكذا، فلا يبقَى للمؤتمرِ مِن الثوابتِ في يدهِ شيءٌ.
فمتَى يُفيقُ المهروِلونَ للحوارٍات ؟!!
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
السبت 30 جمادى الأولى 1436 هـ
الموافق 21 مارس 2015 م