بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس المصري والواقع الليبي
ما يشاهد حولنا في مصر من إفراط غير مبرر ولا مسبوق في استعمال آلة القمع الدموية الباطشة، وكأنها متعطشة للقتل، تنتظر هذه الأيام بفارغ الصبر - ما يُشاهد من هذا الإفراط في استعمال القوة لا يراه أي منصف إلا عقوبة جماعية للشعب المصري بأكمله، وإلا ثأرا دفينا يشفي به حاقدون صدورهم من انتفاضة ٢٥ يناير، لا كما يُرَوّج له أنه لإزاحة نظام (الإخوان)، فنظام الإخوان وإن اختلف معه من اختلف، لم يقتل الناس في الميادين، ولم يفرض الأحكام العرفية!
لم يُنَدِّد بإطلاق النار الكثيف على المتظاهرين سوى الدول الغربية وتركيا من البلاد الإسلامية!
أما الدول العربية - فإذا ما استثنينا تونس - فهي للأسف إما ساكت وإما متورط!
أما الأزهر وشيخه الذي بارك الانقلاب في بيانه الأول، فعليه وعلى كل من ائتمنه الله تعالى من العلماء في داخل مصر وخارجها وتٓرٓك البيان أن ينظر فيما قاله الله تعالى في الكتمان: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون)، وقال عز وجل: (إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم).
علينا في ليبيا أن نستفيد من الدرس، فكما أن لـ ٢٥ يناير أعداء كُثرا، كشروا عن أنيابهم أول ما واتتهم الفرصة، فوضعوا خصومهم في السجون، أو أعملوا فيهم القتل وأثخنوهم بالجراح - فلـ ١٧ فبراير أعداء مثلهم أو أشد!
والإرهاصات والمقدمات هي المقدمات!
فوضى وتردي أوضاع، وإصابة المواطن باليأس والإحباط، ليرضى بعدها بأي بديل عند الصدمة، فإذا ما أفاق، وجد الوقت قد فات! فقد تكلم الرصاص وحُظر التجوال وقُضي الأمر، ولا يفيد الندم!
قطع الطريق دون هذا المصير المرعب، هو تمسك الليبيين جميعا بشرعية المؤتمر الوطني واعتباره ولي الأمر الذي يمثل الشرعية، وتجب طاعته، ونطالبه بتحمل مسؤوليته عاجلا غير آجل، بتشكيل حكومة قوية قادرة على حماية أرواح الناس، وفرض القانون، فقد عجزت الوزارات في هذه الحكومة عن حماية نفسها، فضلا عن حماية أرواح المواطنين!
الطرق غير آمنة!
والمستشفيات تقفل أبوابها تحت ضربات المجرمين والمخمورين!
والسلب والنهب على قارعة الطريق!
والاغتيالات والتفجيرات لم نر جانيا واحدا شفى منه أهل الضحية الصدور بقصاص عادل، وكأنها جميعا جرائم ضد مجهول!
بل رأينا من بعض الوزارات ما يُعد تسترا عن الجناة الذين يُهَرَّبون الآن من السجون إلى خارج البلد! ... وعلى مستندات متعلقة بأمن الدولة! ... وعلى عتاد هُرِّب من المعسكرات!
فهل تم التحقيق مع من كانوا يحرسون سجن الكويفية، ومع من كانوا يحرسون المعسكرات التي نُهبت محتوياتها، ومنها معسكر ٢٧ وغيره!
وآخر ألوان السطو غير المسبوق السطو على مقدرات الشعب الليبي كلها (النفط) باستيلاء مجموعة مسلحة عليه، ومنع الدولة من تصديره، لتبيعه الجماعة خارج رقابة الدولة! وذلك باسم حمايته وحراسته والحرص عليه!!
فمن لنا بحكومة تحمي الضعفاء من تسلط الأقوياء؟!
وتحمي ثروة البلد من السلب والنهب؟!
ليس من حق أي جماعة، أو جهة، أو مؤسسة في البلد، أيا كان انتماؤها الفكري، إسلامي أو غير إسلامي، وأيا كان وجودها المكاني، في شرق البلد أو غربها أو جنوبها، وأيا كانت مبرراتها من فاقة أو حرمان - أن تستغل في هذا الظرف ضعف الدولة وغياب القانون لتحقيق مكاسب بالقوة، أو تدعو إلى فُرقة أو جِهوية أو فدرالية، فالظرف حرج ولا يسمح بالخلاف.
وعلينا أن نفرق بين الناصح والغاش، فمن ينصحك بالعصيان للمطالبة بما تراه حقا بالقوة، وأسرته مقيمة بصفة دائمة خارج البلد، وإذا أتى البلد أتاها وحده زائرا لساعات، ويعود راجعا، فهو غير ناصح وإن تكلم بما ظاهره حق ونصح، لأن من كان واثقا من نصحه لا يخشى عواقبه على أمنه وأهله!
وقد تسمع من يحذر من القبلية والعصبية وهو غارق فيها إلى آذانه!
وقد يندد بالفساد المالي من صار بعد الثورة من أصحاب ملايينها!
وقد يرفع شعارات المطالبة بالشرطة والجيش من لو قامت الشرطة لكان في الأعمال الشاقة خلف الأسوار! ولكن يرفع الشعار ليؤلب على الثوار الذين أسند إليهم المؤتمر الوطني حفظ الأمن بعد أن عجز عليه رجال الأمن!
فخذها من ناصح أيها المواطن ... عليك قبل فوات الأوان أن تميز الناصح من الغاش!
وعليكم أيها الثوار، أن تكونوا عند الموعد، وتُرُوا الناس من أنفسكم خيرا، فالمؤتمر أبرأ ذمته وقلد أعناقكم مسؤولية حفظ الوطن، وأنتم كما عودتمونا أهل لذلك، فلا تترددوا، فالوقت لا يسمح بالتردد ولا بالمحاسبة.
ولا تلتفتوا إلى من يسيئ إليكم، فهذه ضريبة الجهاد، فتحملوها، وقد أعطيتم الشرعية من أعلى سلطة في الدولة.
أهداف الثورة التي قمتم من أجلها، وهي:
- الحفاظ على وحدة الوطن ...
- وإقامة الدين ...
- والتخلص من الفساد والاستبداد ...
هي في خطر وأي خطر، والدرس المصري ماثل للعيان ...
ومن لم تُفِده عبرًا أيامُه ... كان العمى أولى به من الهُدى!
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
9 شوال 1434 هـ
16 أغسطس 2013 م