بسم الله الرحمن الرحيم
(إنّ فرعونَ عَلا فِي الأرضِ)
العُلوّ في الأرضِ: الاستكبارُ والاستبدادُ والظلمُ، وفرعونُ سخَّرَ كلّ ما في الأرضِ، وهي أرضُ مصرَ وما يتبعُها مِن مَمالك، وسخّر كذلك كل ما فيها مِن الأموال والثرواتِ والبشرِ؛ لحفظ ملكه وتثبيت عرشه ولإشباعِ شهواتِهِ ونزواتِهِ الحيوانيةِ والشيطانيةِ، المتعطشةِ للسيطرةِ والقهرِ والاستعبادِ، واستلابِ الحقوقِ والحرياتِ وكرامةِ الإنسانِ، وبسط اليد على كلّ شيءٍ في استباحةٍ كاملة لكلِّ الحرمات، دونَ قيودٍ ولا حدودٍ.
وهو من شرع لنفسه القتل لتثبيت ملكه (يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم) حتى بلغ منهُ الاغترارُ بالسلطانِ أنْ قال: ليسَ لكم مِن إلهٍ غيري، ومَا أُريكُم إلّا ما أرَى.
وفراعنة العصر في أيامِنا، ممن طغوا وبغوا بالسلطان وسلبوا ثروات الشعوب، فعلوا ما فعله فرعون في توظيف كل ما في ملكهم لتثبيت عروشهم وإشباع نزواتهم وشهواتهم، وزادوا عليه بما يحمله بعضُهم على عاتقه من دماء المسلمين في ليبيا وفي اليمن وغيرها، أعدادهم تُقدر بين قتيل وشريد وجريح بالملايين، عدا تخريب ما طالته أيديهم من بلاد المسلمين وديارهم.
فهؤلاء وإن لم يقُولوا ما قالَهُ فرعونُ بلسانِ المقالِ؛ فإنهم يقولونَهُ بلسانِ الحالِ، والأسوء في ما نراه من حروبهم على المسلمين أنهم يفعلون ذلك خدمة لليهود ودوائرهم الصهيونية في بلاد الغرب، التي تعهدت لهم على ذلك بحماية عروشهم ما داموا في بيت الطاعة، يدفعون إليهم الأموال الطائلة المحرومة منها شعوبهم.
بل ما نراهُ يفعلُهُ ابن زايد وابن سلمان في ليبيا وفي اليمنِ متواصلا طول هذه السنين، من جرائم القتل والتشريد والتهجير دون هوادة، أعدادُ ضحاياها بالملايين.
حربهم على طرابلس ومُدُنِها مضى عليها عام كامل وهم يرسلون طائرات الدمار والمرتزقة دون توقف، وقبلها دمروا بنغازي ودرنة والجنوب على مدى خمس سنوات.
ست سنوات من العدوان الإماراتي السعودي، ذهبت بالآلاف من خيرة شباب ليبيا، ابن زايد عداؤه سافر بعسكره وأمواله وعتاده وطائراته، وابن سلمان بأمواله التي يجند بها المرتزقة من كل الجنسيات، ودَفْع كل ما يَلزم من فواتير الحرب بكل سخاء وأريحية لقتل الليبيين، عدا تدخله الاستخباراتي بفصائل مسلحة يسمون أنفسهم السلفية!
يفعلون ذلك بأهل ليبيا لا لشيء سوى أنهم طلبوا الحرية والخلاص من القهر والاستعباد لاسترداد حقوقهم المسلوبة!
ما نراه من فراعنة العصر مِن الفساد والولوغ في الدماءِ بهذهِ الوحشية، وقتل الأعداد المهولَة، لم يفعلهُ فرعونُ الأكبرُ؛ (كَلَّا إنَّ الإنسانَ ليَطغَى أنْ رَآهُ اسْتغنَى).
وعلى الرغم مما فعلته وتفعله الإمارات والسعودية بالليبيين، فلا تزال علاقة بلادنا معهم السياسية والاقتصادية وغيرها كما هي لم تُمس، على أحسن ما يرام، ولا يَفعل هذا مع عدو غادر، شقيٌّ ولا غبيٌّ، ولا خائنٌّ ولا وفيٌّ، إلا ما نراه من حكامنا، فإلى الله المشتكى
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
11 شعبان 1441 هـ
الموافق 05 أبريل 2020 م